لم أكن أعلم بأنها الهدف الذي كنت أحيا لأجله !! .. هكذا يتمتم " جوان " عندما يغادر حنازة شقيقته الصغرى ..
يمضي بمفرده في شوراع المدينة يقلب ناظريه ..يبحث عن شيء من خيالاتها .. ربما يلمح طيفاً هنا أو هناك .. !!
لكن في كل مرة يرتد إليه دون فائدة تذكر " أتسأل اذا كنت قد أصبت بالجنون " هذا ما يحدث به نفسه
حين تتوقف عقارب الساعة في ظلال لا متناهية من الاحزان .. !!
في كل عضو من جسده يسري صخبٌ من الخوف
- جوان : ما كان عليّ توبيخها .. لقد كنت السبب فيما أصابها .. يالي من اخٍ اكبر ..
لست سوى مغفل كبير ..!!
" هكذا يلوم نفسه "
صدى يتردد من جنبات الطرقة بابتسامة
- الأخت : اخي .. انظر .. لقد رسمتها .. ليست جيدة لهذا سأبذل جهدي في المرة القادمة .. !!
- جوان : توقفي عن هذا الهراء .. ليست أكثر من خطوط رصاصية على أوراقٍ بياض ..!!
و يمضي وقد اكتسى التجاهل وجهه .. لكن سرعان ما يستمع لحشرجات دموعٍ آتية من خلفه ..
يلتفت ليراها تجفف دموعها المنحبسة بطريقة طفولية
- جوان : فتاة عديمة المسؤولية .." يتذمر " : لماذا تبكين الان .. لماذا ؟؟ " يناديها "..
ثمّ يتقترب منها بخطوات متثاقلة و يده على رأسه يذاعب بها خصلات من شعره !!
الاخت : لقد دخل شيءٌ ما في عيني .. انا لا ابكي مطلقاً " تزداد الحشرجات "
جوان : ماذا .. ؟؟ يالك من طفلة عنيدة !! " يقبض على يدها اليسرى : لنعد .. قبل حلول المساء !! " يتلاشى الصدى المتردد عن آذان جوان "
يحدق بسماء ملبدة بالغيوم لتختلط قطرات عيناه بقطرات من المطر .. يتملكه فيضٌ من الضياع ..
أصبح عالمه خالٍ تماماً .. هذا هو ما انتابه في تلك اللحظة
- جوان : لماذا لم اضع يدي على وجنتيها الصغيرتين .. لماذا لم اجفف تلك الدموع .. لقد كان بمقدوري فعلها دون أي عناء .. ما كان ليكلفني اي شيء .. لَربما تمكنت من إسعادها لو لحظة ..!
ينحني عن وجه الحزن ليأخذ التساؤل مأخذه .. و لينبثق عن تلك الدمعة المنسابة .. ابتسامة يفسرها طيف آخر يتسارع نحوه من نهاية الشارع
و كأن احد الابواب يفتح ..
- الأخت : حمداً لله .. لقد عاد اخي .. " ابتسامة "
- جوان : لماذا تندفعين هكذا .. كلما عُدت إلى المنزل .. " يحملق في وجهها المغطى بتلك الابتسامة الدافئة " .. تباً لاتزالين تملكين وجهاً كهذا !!
- الاخت: وجهي ؟؟! لم أفهم ؟؟" يدها الناعمتين تلامس وجنتها "
- جوان : متى تنوين ان تكبري ؟! لقد اصبحتي في ربيعك العشرين و لازلتي تتصرفين كطفلة في الخامسة من عمرها ..
هذا ما يرمي به حين سيره نحو غرفته ليتجاهلها .. حقيبة السفر الصغيرة غطّت ملامح وجهه عندما ألتفت وراءه ..
عيناه المتسعة ضآقة حدقتاها .. شفتاه المتوردة ارتجفت من تعبثر الكلمات
- أعماق جوان : انها تبكي .. لماذا ؟؟
وبصمت ... " ما كان عليّ الحديث معها هكذا .. لم استطع ان استقبل ذاك الشوق منها .. رغم ان اشتياقي اشد و اعمق "
" هذا ما يتردد في غمرات نفسه "
ترتعد السماء كأن راقصات بينها و بين مشاعره المتألمة قد شقّت الألوان الضبابية التي باتت تباهي قريناتها لكونها سيدة المكان الزمان
-جوان :لماذا لم اتصرف كما كنت اشعر .. لماذا دفنت تلك المشاعر .. لقد كانت صادقة وقوية .. لو منحتها حريتها .. لَربما تمكنت من إسعادها لو لحظة ..!
السمفونية المعزوفة ما هي إلا شعور مؤلم يخترق خلجات الصدر ..
دون أن يمزقها يجعل منها قطعاً متناهية في الصغر .. ترميها الرياح هنا أو هناك !!
- الأخت : هذه هي كلمات الأغنية التي ستنغى غداً في حفل التخرج ..!
- جوان : و ما علاقتي بهذا ..؟
- الأخت : لقد اخبرتك بأنني من كتبها .. و قد تم اختيارها من بين عشرات الكلمات المقدمة من باقي الطلاب .. انها المرة الأولى ..!!
-جوان : المرة الأولى و الأخيرة ..
- الأخت : أ .. خـ ... ــ ... ــ .. ـي .. لماذا تقول هذا .. هل كلماتي سيئة لهذا الحد ؟؟
- جوان " يتنهد " : أنتن الفتيات تجببن اشياء عديمة الفائدة ..!
ينهض عن الكرسي مغادراً طاولة الطعام دون ان يكمل قطعة الكعك .. تراقبه بصمت مبهم ..
و تغرق مقلتاها بالدموع الجامدة .. و يسرح قلبها في الفضاء الساكن ..
انسآنبت الدموع منها دون قصد ... في خط مستقيم من العين إلى الارض الرخامية .. ليرتطم الحب بالألم ..
ليصطدم القلب بالحزن .. و ليذوب الدفئ مثلما يذوب السكر في الفم ..!
لا يلتفت و يمضي .. ليتركها مع بحر السكون .. المرصع بحبات النجوم المظلمة .. كأنما تابوت الحشرجات يحتضنها ..
- الأخت : من الجيد انه لم يرى هذه الدموع .. من المؤكد أنه لن يهتم لأمرها مجدداً " هكذا تتمت وهي تمحو الدموع عن وجهها "
وراء باب الغرفة يتلعتم نبض " جوان " الواقف على جمرات من الحيرة ..
ما الفائدة من تخبط هذه الأنفاس وسط ملايين الحروف دون إجادتها هكذا يبتلعه الصمت ..
-جوان : مجدداً .. تبكي مجدداً .. مجدداً .. ولا آزال عاجزاً أمام هذه الدموع ..
حتى انني لا أملك الجُرأة على اظهار نفسي ..لو كنت خضت تلك المعركة الخاسرة لأجلها .. لَربما تمكنت من إسعادها لو لحظة ..!
" هذا ما يعتب به على نفسه حين توقف انهمار المطر عليه "
بعدها فَتِح بوابة النهاية .. حين اشرقت شمس ذلك اليوم .. ذلك المغلف الملقى على الطاولة كان أول شيء نظر إليه ..
" انها بطاقة الدعوة لحفل تخرجها " هذه هي الكلمات التي دارت في رأسه فور نهوضه من على السرير ..!!
أمسك المغلف ليرى رسالة قصيرة مكتوبة على مقصوصة باللون الوردي
" لم أرد أن ازعجك .. لهذا ذهبت وحدي لحضور الحفل دون ان أُقيظك .. يومٌ سعيد لك أخي العزيز .^.^. " هذا كان محتواها
- جوان : انها الكلمات التي نُحت في قلبي .. لايمكنني التخلي عنها الآن .. هذا يومها المميز .. لابد من أن أكون معها ..و ألا افسده ..!!
بهذا العزم و هذه الكلمات المترددة في أعماقه يتوجه " جوان " لحضور حفل التخرج .. لكنه يصل متأخراً ..
بعد ان انتهى الحفل التكريمي .. و مغادرة الحاضرين للصالة الرئيسية
يبحث في كل أرجاء الجامعة .. و لا يجد شقيقته .. يواصل البحث لدقائق طويلة .. و حين لا يلقى لها أثر ..
يسند يدها إلى ركبتاه و يحاول إلتقاط أنفاسه المتسارعة
- جوان : حتى عندما تملكت الشجاعة لفعلها .. كان الوقت قد فآآآت " انها الكلمات التي يرددها مع فيض الدموع الذي يسكن عيناه "
في الرصيف المقابل تقف الدهشة تأسرها .. و حروف فمها ترتعش من شدة الفرحة ..
كأن الدموع قد اصبحت عنوانا للفرح .. والصمت رمزاً للسعادة
كانت من رأته دون أن يراها ... لم يخب ظنها هذه المرة لم تمتلك حركاتها و صارت ملكاً لآحاسيسها ..
خطت خطواتها الثلاث دون ان تعلم الى اين .. لم يكن لديها الوقت لتلفت .. في أي اتجاه
ارتفع راس جوان حين سمع شقيقته تناديه ... توقف في مكانه و النظرات لا تفارقه ..
علت وجه ابتسامة خافتة .. أراد أن يبارك لها التخرج .. لكن خروجها من هذا العالم كان الأسرع ..
خطوتها الثالثة كانت الاخيرة .. أسفلت السيارات لم يبقي لها وجود ..!!
- جوان : لقد تلاشى كل شيء أمام عينيي .. انها المرة الاولى التي ارى فيها التلاشي .. أهذه هي اللحظة ا .. لا .. خـ .. يـ .. ـر .. ة
أهذه هي اللحظة الوحيدة .. لا يمكنني ان اعلم ؟؟! ما الذي يجب ان تكون عليه .. لايمكنني أن اعلم ؟؟! ربما كانت هذه هي اللحظة
التي تمكنت فيها من اسعادها .. لو لحظة !! لكنني كنت الاحمق الذي لم يعرف مدرى حماقته إلا في تلك اللحظة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق